مدح أعرابي عبد الملك بن مروان فأحسن، فقال له عبد الملك: هل تعرف أهجى بيتٍ في الإسلام ؟ قال: نعم، قول جرير:
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نـميرٍ« • »فَلا كَعبًا بَلَغتَ وَلا كِلابا
قال: أصبت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام. قال: نعم، قول جرير:
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حــورٌ« • »قَتَلنَنـا ثُمَّ لَـم يُحيِينَ قَتلانا
يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ« • »وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا
قال: أحسنت، فهل تعرف جريراً؛ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق.
قال: فهذا جرير وهذا الأخطل وهذا الفرزدق، فأنشأ الأعرابي يقول:
فَحَيا الإِلَه أَبَا حِـزرةٍ« • »وَأَرْغَمَ أَنْفَكَ يَا أَخْطل
وَجَد الفَرَزْدَق أَتْعِسْ بِهِ« • »وَدَق خَيَاشِيمه الجَنْدَل
فأنشأ الفرزدق يقول:
بَلْ أَرْغَمَ اللهُ أَنْفـًا أَنْتَ حَامِلُه« • »يَا ذَا الخَنَا وَ مَقَالَ الزُّورِ وَالخَطَـل
مَا أَنْتَ بِالحَكَم الْتُرْضَى حُكُومَتُه« • »وَلاَ الأَصِيلِ وَلاَ ذِي الرَّأْيِ وَالجَدَل
فغضب جرير وقال أبياتاً، ثم وثب وقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين
جائزتي له، وكانت كل سنة خمسة عشر ألفاً، فقال له عبد الملك: وله مثلها
مني.
ومن طريف الشعر قول جرير بن الخطفي في الفرزدق :
زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أَنْ سَيَقْتُلُ مَرْبعًا« • »أَبْشِرْ بطُولِ سَلامَةٍ يا مَرْبَعُ
ومن جميل الشعر قول أبي ذؤيب الهذلي
أَمِـنَ المَنُونِ ورَيْبِهـا تَتَوَجَّــعُ« • »والـدَّهْرُ ليـسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قالتْ أُمَيْمَةُ: ما لِجِسْمِكَ شاحِبـاً« • »مُنْذُ ابْتُذِلْتَ و مثلُ مالِكَ يَنْفَــعُ
أَمْ مـا لِجَنْبِكَ لا يُلائِمُ مضْجَعـاً« • »إِلاَّ أَقَـضَّ عَليكَ ذَاكَ المضْجَــعُ
فأَجَبْتُهـا: أَمَّا لـجِسْمي أَنَّــهُ« • »أَوْدَى بَنِـيَّ مـنَ البلادِ فَوَدَّعُـوا
أَوْدَى بَنِيَّ و أَعْقَبونِـي غُصَّــةً« • »بَعْـدَ الرُّقَـادِ و عَبْـرَةً لا تُقْلِـعُ
سَبَقوا هَـوَيَّ و أَعْنقُوا لِهَواهُـمُ« • »فَتُخُــرِّموا، و لكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
فَغَبَرْتُ بَعْـدَهُمُ بِعَيش ٍناصِـبٍ« • »وإِخــالُ أَنِّي لاَحِـقٌ مُـسْتَتْبَعُ
و لقد حَرَصْتُ بأَنْ أُدافِـعُ عنهمُ« • »فـإِذا المَنيَّــةُ أَقْبَلَـتْ لا تُدْفَـعُ
و إِذَا الـمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظفارَهـا« • »أَلْفَيْتَ كـلَّ تَمِيمـةٍ لا تَنْفَــعُ
فالعَيْنُ بعـدَهُمُ كـأَنَّ حِدَاقَهـا« • »سُلِمَتْ بِشَوْكٍ فَهْيَ عُورٌ تَدْمَــعُ
حتـى كأَنِّـي للحَـوادِثِ مَرْوَةٌ« • »بِصَفـا المُشَرَّقِ كُــلًّ يوم تُقْـرَعُ
و تَجَلُّدِى لِلشَّـامِتِينَ أُرِيهِــمُ« • »أَنِّي لِرَيْـبِ الـدَّهْرِ لا أَتضَعْضَـعُ
و النَّفْـسُ راغِبَـةٌ إِذَا رَغَّبْتَهـا« • »وإِذَا تُــرَدُّ إِلى قَليــلٍ تَقْنَــعُ
ولَئِنْ بِهِمْ فَجَعَ الزَّمـانُ و رَيْبُـهُ« • »إِنِّي بِأَهْــلِ مَوَدَّتِـي لَمُفَجَّــعُ
كَمْ مِنْ جَمِيعِ الشمْلِ مُلْتَئِم القُوَى« • »كانوا بعَيْـشٍ قَبْلَنا فَتَصدَّعُــوا
و الـدَّهْرُ لا يَبْقَى عَلَى حَـدَثانِهِ« • »جَوْنُ السَّرَاةِ لـهُ جَدَائِدُ أَرْبَــعُ
صَخِبُ الشَّـوارِبِ لا يَزَالُ كأَنَّهُ« • »عَبْـدٌ لآِلِ أَبي رَبيعَـةَ مُسْبَــعُ
أَكَـلَ الجَمِيمَ و طاوَعَتْهُ سَمْحَجٌ« • »مِثْلُ القَنـاةِ وأَزْعَلَتـه الأَمْــرُعُ
بِقَرَارِ قِيعــانٍ سَقـاها وَابِـلٌ« • »وَاهٍ، فَأَثْجَــمَ بُرْهَـةً لا يُقْلِــعُ
فَلَبِثْنَ حِينـاً يَعْتَلِجْنَ بِرَوْضِــهِ« • »فَيُجِدُّ حِيناً في العِـلاَجِ ويَشْمَــعُ
حتَّى إِذَا جَـزَرَتْ مِياهُ رُزُونِــهِ« • »وبأَيِّ حِـينِ مَــلاوَةٍ تَتقَطَّــعُ
ذكَرَ الْوُرُودَ بـها وشَاقَى أَمْـرَهُ« • »شُؤْمٌ وأَقْبَـــلَ حـينُهُ يَتَتَبَّــعُ
فَافْتَنَّهُنَّ مِنَ السـوَاءِ و مــاؤُهُ« • »بَثْرٌ، وعــانَدَهُ طـــرِيقٌ مَهْيَعُ
فكـأَنَّهـا بالجِـزْعِ بَيْنَ نُبايـعٍ« • »وأُولاَتِ ذِي العَـرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ
وكـأَنَّهُـنَّ رِبابــةٌ وكأَنَّــهُ« • »يَسَرٌ يُفِيضُ على القِدَاحِ ويَصْـدَعُ
وكأَنَّمــا هُـو مِدْوَسٌ مُتقَلِّبٌ« • »في الكَـفِّ إِلاَّ أَنَّـهُ هُوَ أَضْلَــعُ
فَوَرَدْنَ والعَيُّـوقُ مَقْعَدَ رَابىءِ الـ« • »ضُّرَبــاءِ فَوقَ النَّظْمِ لا يَتَتَلَّــعُ
فَشَرَعْنَ في حَجَرَات عَذْبٍ بـارِدٍ« • »حَصِبِ البِطـاحِ تَغِيبُ فيه الأَكرُعُ
فَشَرِبْنَ ثمَّ سَمِعْنَ حِسًّـا دُونَـهُ« • »شَـرَفُ الحِجابِ ورَيْب قَرْعٍ يُقْرَعُ
ونَمِيمَـةً مِـنْ قـانِـصٍ مُتلَبَّبٍ« • »في كَفِّهِ جَـشْءٌ أَجَـشُّ وأَقْطَــعُ
فَنَكِرْنَـهُ و نَفَرْنَ و امْتَرَسَتْ بـهِ« • »سَطعَاءُ هَادِيـةٌ وهـادٍ جُرْشَــعُ
فَرَمَى فأَنْفَـذ مِـنْ نَجُودٍ عـائِطٍ« • »سَهْماً، فَخَرَّ ورِيشُـهُ مُتَصَمِّــعُ
فَبَدَا لَـهُ أَقْـرَابُ هَـذَا رَائغـاً« • »عَجِــلاً، فَعَيَّثَ في الكِنانة يُرْجِعُ
فَرَمَى فأَلْحَقَ صـاعِدِيًّا مِطْحَـراً« • »بالكَشْحِ فاشْتَمَلَتْ عليهِ الأَضْلُـعُ
فـأَبَدَّهُنْ حُتُوفَهُــنَّ فَهـارِبٌ« • »بِدمـائِهِ أَو بـارِكٌ مُتَجَعْجَــعُ
يَعْثُرْنَ في حَـدِّ الظُّبــاتِ كأَنَّما« • »كُسِيَتْ بُرُودُ بَنِي تَزِيــدَ الأَذْرُعُ
والـدَّهْرُ لاَ يَبْقَي عـلى حَـدَثانِهِ« • »شَبَبٌ أَفَزَّتْهُ الكِـلاَبُ مُــرَوَّعُ
شَعَفَ الكلاَبُ الضَّـارِياتُ فُؤَادَهُ« • »فإِذَا رأَى الصٌّبْحَ المُصَدَّقَ يَفْــزَعُ
و يعـوذُ بالأَرْطَى إِذَا ما شَفَّــهُ« • »قَطْــرٌ ورَاحَـتهُ بَلِيلٌ زَعْــزَعُ
يَرْمِي بِعَيْنَيْهِ الغُيُـوبَ وطَرْفُــهُ« • »مُغْضٍ يُصَـدّقُ طَـرْفُهُ ما يَسْمَـعُ
فَغَدَا يَشـرِّق مَتْنَهُ فَبـدَا لــهُ« • »أُولَى سَــوَابِقِها قَـرِيباً تُـوزَعُ
فاهْتاجَ منْ فَزَعٍ وسَدَّ فُرُوجَــهُ« • »غُبْـرٌ ضَـوَارٍ وَافيانِ وأَجْــدَعُ
يَنْهَشْنَــهُ ويذُبُّهُـنَ و يَحْتَمِـي« • »عَبْـلُ الشَّـوَى بالطُّـرَّتيْنِ مُوَلَّـعُ
فَنَحــا لـها بِمُذَلَّقَيْنِ كأَنَّمـا« • »بِهِما منَ النَّضْجِ المُجَـدَّحِ أَيْـدعُ
فكـأَنَّ سَفُّودَيْـن لمَّا يُـقْتِــرَا« • »عجِـلاَ لهُ بِشِـوَاءِ شَـرْبٍ يُنْزَعُ
فصَرَعْنَهُ تـحتَ الغُبارِ وجَنْبُــهُ« • »مُتتَرِّبٌ، ولكـلِّ جَـنْبٍ مَصْـرَعُ
حتَّى إِذا ارتَدَّتْ وأَقْـصَدَ عُصْبَـةً« • »منها، و قـامَ شـرِيدُها يَتضَـوَّعُ
فَبـدَا لهُ رَبُّ الكِـلاَبِ بِـكَفِّـهِ« • »بِيضٌ رِهـابٌ ريشُهُنَّ مُقَــزَّعُ
فَرَمَى لِيُنْقِذَ فَرَّها فَـهَوَى لــهُ« • »سَهْمٌ، فأَنْفَـذَ طُـرَّتَيْهِ المِنْــزَعُ
فَكبَا كمـا يَكْبُو فَنيـقٌ تــارِزٌ« • »بالـخَبْثِ إِلاَّ أَنَّـهُ هُـوَ أَبْــرَعُ
والـدَّهْرُ لا يَبْقَى على حدَثـانِهِ« • »مُسْتَشْعِـرٌ حَلَقَ الــحديدِ مُقنَّعُ
حَمِيَتْ عـليه الدِّرْعُ، حتَّى وَجْهُهُ« • »منْ حَـرِّها يـومَ الكرِيهَةِ أَسْفَـعُ
تَعدُو بهِ خَوْصاءُ يَفْصِمُ جَرْيُهــا« • »حَلَقَ الرِّحَـالَةِ فَهْيَ رِخْوٌ تَمْـزَعُ
قَصَرَ الصَّبُوحَ لها فَشُـرِّجَ لَحْمُها« • »بالنَّيِّ فَهْيَ تَثُــوخُ فيهـا الإِصْبَعُ
مُتفَلِّـقٌ أَنْسَــاؤُها عـنْ قانِىءٍ« • »كالقُـرْطِ صَـاوٍ غُبْرُهُ لاَ بُرْضَـعُ
تَأَبَى بِدِرَّتِها إِذا مــا اسْتُغْضِبَتْ« • »إِلاَّ الحـَمِيـمَ فإِنَّــهُ يَتَبَضَّــعُ
بَيْنَا تَعَنُّقِـهِ الكُمـاةَ ورَوْغِــهِ« • »يَوْماً أُتِيــحَ لهُ جَـريءٌ سَلْفَـعُ
يَعْـدُو بهِ نَهْشُ المُشَــاشِ كأَنَّهُ« • »صَـدَعٌ سَلِيـمٌ رَجْعُـةْ لاَ يَظْلَعُ
فَتنــاديَا وتَــوَافَقَتْ خَيْلاَهُما« • »وكِلاَهُما بَطَلُ اللِّقـاءِ مُخَــدَّعُ
متَحامِيَيْنِ المَجْـدَ، كلُّ وَاثِــقٌ« • »بِبَلائِـهِ، و الْيَـوْمُ يَـوْمٌ أَشْنَــعُ
وعليهما مَسْرُودَتــانِ قَضَاهُما« • »دَاوُودُ أَو صَنَـعُ السَّوَابِغ تُبَّــعُ
وكِـلاَهُمـا في كَفِّـهِ يَزَنِيَّــةٌ« • »فيهـا سِنـانٌ كالمنــارَةِ أَصْلَـعُ
و كِلاَهُما مُتَوَشِّــحٌ ذَا رَوْنَـقٍ« • »عَضْباً إِذَا مَــسَّ الضَّرِيبَةَ يَقْطَـعُ
فَتَحَـالَسَا َنْفسَيْهِمـا بِنَوَافِــذِ« • »كَنَوَافِـذِ العُبُـطِ الَّتي لاَ تُرْقَــعُ
وكِلاهُما قد عــاشَ عِيشَةَ ماجِدٍ« • »وجَنَى العَـلاَءَ، لَوَ أنَّ شيْئاً يَنْفَـعُ